محيي الدين: مصر أمام فرصة تاريخية وسط تفكك النظام الاقتصادي العالمي

أكد الدكتور محمود محيي الدين، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لتمويل أجندة 2030 للتنمية المستدامة، ورئيس فريق الخبراء المعني بحل أزمة الدين العالمي، أن التحديات الاقتصادية والجيوسياسية الحالية على المستويين الإقليمي والدولي قد تُمثل فرصة حقيقية لمصر لتأخذ موقعًا متقدمًا في النظام العالمي الجديد، إذا ما أحسن صانع القرار استغلالها.

وفي لقاء خاص ضمن برنامج "الحياة اليوم" مع الإعلامية لبنى عسل على قناة الحياة، أوضح محيي الدين أن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة التي اتخذتها الولايات المتحدة أضعفت النظام الاقتصادي العالمي الذي تأسس عقب الحرب العالمية الثانية. وأشار إلى أن هذه الإجراءات تجاوزت فرض الرسوم الجمركية، لتشمل قيودًا على حركة الاستثمارات والتكنولوجيا والهجرة، مما شكل ضربة قوية لقواعد التعاون الاقتصادي الدولي المتعارف عليها.

وأضاف أن الأزمة الحالية لا تُعد أزمة طارئة فحسب، بل تمثل تفككًا تدريجيًا للنظام الاقتصادي العالمي القائم، في ظل غياب إطار بديل أو توافق سياسي دولي يمكنه احتواء هذه التحولات.

كما أكد أن تلك الإجراءات ساهمت في تراجع أسعار الأصول مثل الأسهم والسندات والذهب، واصفًا إياها بأنها "مُدمرة لما تبقى من النظام الاقتصادي العالمي". وأشار إلى أن قرار الإدارة الأمريكية بتجميد بعض تلك الإجراءات جاء استجابة لضغوط داخلية، محذرًا من أن العالم يمر بمرحلة انتقالية حرجة قد تنذر بأزمة عالمية، إن لم يتم التعامل معها بعقلانية.

نظام اقتصادي عالمي جديد

وأوضح محيي الدين أن ملامح نظام اقتصادي عالمي جديد بدأت تتشكل، تقوده قوى ناشئة مثل الصين والهند ودول جنوب شرق آسيا، مشيرًا إلى أن الصين أصبحت أكبر اقتصاد في العالم وفقًا لمعيار تعادل القوى الشرائية. كما تحدث عن تحولات في التحالفات الاقتصادية، في ظل انقسام بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، وتزايد النفوذ الآسيوي عالميًا.

مصر بين الفرصة والتحدي

وفيما يتعلق بالشأن المحلي، شدد محيي الدين على أن مصر ليست بعيدة عن تلك التحولات. فقد تأثرت بتداعيات الأزمة المالية العالمية عام 2008، مرورًا بالاضطرابات السياسية، ثم جائحة كورونا، ووصولًا إلى تداعيات الأزمة في غزة وملف أمن البحر الأحمر. لكنه أكد أن هذه التحديات تمثل أيضًا فرصة أمام صانع القرار، شريطة تحسين مناخ الاستثمار، ورفع الإنتاجية، وتذليل العوائق البيروقراطية.

ودعا إلى تعزيز الاستثمار في البنية التحتية، والتعليم، والرعاية الصحية، والرقمنة، والطاقة المتجددة، مؤكدًا أن المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية، برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، تمثل خطوة واعدة في هذا الاتجاه.

كما أشار إلى أهمية منح المحافظات دورًا أكبر في جذب الاستثمارات، وعدم ترك الملف بيد الوزارات المركزية فقط، لافتًا إلى أن إجراءات مثل إلغاء تعدد الرسوم وتوحيدها في ضريبة واحدة، تُعد خطوات إيجابية يجب استكمالها بمزيد من الشفافية وتيسير الإجراءات.

مناخ استثماري مستقر

وأكد أن المستثمرين المحليين والدوليين يبحثون عن بيئة مستقرة توفر الحد الأدنى من اليقين، حتى في ظل اضطراب الأسواق العالمية. وأوضح أن مصر لا تملك السيطرة على الظروف الدولية، لكنها قادرة على بناء بيئة داخلية جاذبة للاستثمار، إذا توفرت الإرادة السياسية والمؤسسات الفعالة.

وشدد على أهمية إعادة هيكلة السياسات المالية والضريبية بما يدعم القطاع الخاص، مشيرًا إلى أن ذلك قد يعزز ثقة المستثمرين، ويجذب رؤوس أموال أجنبية ومحلية حتى في أوقات الأزمات.

تنويع الشراكات الاقتصادية

وفي ختام حديثه، دعا الدكتور محمود محيي الدين إلى تنويع الشراكات الاقتصادية، وتفعيل دور مصر في التجمعات الإقليمية والدولية مثل البريكس، والاتحاد الأفريقي، والجامعة العربية، مع تعزيز التعاون مع دول الآسيان وأوروبا، والاستفادة من اتفاقيات قواعد المنشأ لجذب الاستثمارات الصناعية.

وأشار إلى أن التوترات الناتجة عن السياسات الأمريكية قد تفتح أمام مصر آفاقًا جديدة لتعزيز التعاون الاقتصادي مع الصين ودول الجوار العربي والأفريقي.

التنمية تبدأ من الداخل

واختتم محيي الدين حديثه بالتأكيد على أن التنمية الحقيقية تبدأ من الداخل، عبر الاستثمار في رأس المال البشري، وتحسين جودة التعليم والرعاية الصحية، مؤكدًا أن مصر تمتلك المقومات، لكنها بحاجة إلى سياسات مرنة ومؤسسات كفؤة لتحويل التحديات إلى فرص.